فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب} «أَنَّ» في موضع رفع، وكذا {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة}.
{آمَنُواْ} صدّقوا.
{واتقوا} أي الشرك والمعاصي.
{لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ} اللام جواب «لو» وكفّرنا غطّينا، وقد تقدم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب} يعني: اليهود والنصارى، {ءامَنُواْ} يعني: صدقوا بتوحيد الله تعالى وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {واتقوا} الشرك والمعاصي، {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم} يعني: غفرنا ذنوبهم، {ولأدخلناهم جنات النعيم} في الآخرة. اهـ.

.قال ابن عطية:

هذه الآية تحتمل أن يراد بها معاصرو محمد صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه يراد بها الأسلاف والمعاصرون داخلون في هذه الأحوال بالمعنى، والغرض الإخبار عن أولئك الذين أطفأ الله نيرانهم وأذلهم بمعاصيهم لو آمنوا بالله وكتابه واتقوا في امتثال أوامره ونواهيه لكفرت سيئاتهم أي تسرت وأذهبت ولأدخلوا الجنة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا} بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه فيما جاء به {واتقوا} يعني اليهودية والنصرانية {لكفرنا عنهم سيئاتهم} يعني: لمحونا عنهم ذنوبهم التي عملوها قبل الإسلام لأن الإسلام يجب ما قبله {ولأدخلناهم جنات النعيم} يعني مع المسلمين يوم القيامة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم}.
قيل: المراد أسلافهم، ودخل فيها المعاصرون بالمعنى.
والغرض الإخبار عن أولئك الذين أطفأ الله نيرانهم وأذلهم بمعاصيهم، والذي يظهر أنهم معاصرو الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك ترغيب لهم في الدخول في الإسلام.
وذكر شيئين وهما: الإيمان، والتقوى.
ورتب عليهم شيئين: قابل الإيمان بتكفير السيئات إذ الإسلام يجبّ ما قبله، وترتب على التقوى وهي امتثال الأوامر واجتناب المناهي دخول جنة النعيم، وإضافة الجنة إلى النعيم تنبيهًا على ما كانوا يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا.
وقيل: واتقوا أي: الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبعيسى عليه السلام.
وقيل: المعاصي التي لعنوا بسببها.
وقيل: الشرك.
قال الزمخشري: ولو أنهم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، لكفرنا عنهم تلك السيئات، فلم نؤاخذهم بها، ولأدخلناهم مع المسلمين الجنة.
وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعًا بالتقوى كما قال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب؟ انتهى كلامه.
وفيه من الاعتزال.
وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان، وقوله: وأن الإيمان لا ينجى ولا يسعد إلا مشفوعًا بالتقوى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب} أي اليهود والنصارى، على أن المراد بالكتاب الجنسُ المنتظمُ للتوراة والإنجيل، وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيدًا للتشنيع، فإنّ أهليةَ الكتاب توجب إيمانهم به، وإقامتَهم له لا محالة، فكفرُهم به وعدمُ إقامتهم له وهم أهلُه أقبحُ من كل قبيح وأشنعُ من كل شنيع، فمفعول قوله تعالى: {ءامَنُواْ} محذوف ثقةً بظهوره مما سبَقَ من قوله تعالى: {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسقون} وما لَحِقَ من قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة} الخ، أي لو أنهم مع صدور ما صدَرَ عنهم من فنون الجنايات قولًا وفعلًا آمنوا بما نُفِيَ عنهم الإيمانُ به فيندرج فيه فرضُ إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إرادةُ إيمانهم به عليه السلام خاصة فيأباها المقام، لأن ما ذُكر فيما سبَقَ وما لَحِق من كفرهم به عليه السلام إنما ذُكر مشفوعًا بكفرهم بكتابِهم أيضًا قصدًا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفرَ به عليه الصلاة والسلام مستلزمٌ للكفر بكتابهم، فحملُ الإيمانِ هاهنا على الإيمان به عليه السلام خاصة مُخِلٌّ بتجاوُب أطرافِ النظم الكريم. {واتقوا} ما عدَدْنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفةُ كتابهم {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم} التي اقترفوها وإن كانت في غاية العِظَم ونهايةِ الكثرة ولم نؤاخِذْهم بها {ولأدخلناهم} مع ذلك {جنات النعيم} وتكريرُ اللام لتأكيدِ الوعد، وفيه تنبيه على كمال عِظَم ذنوبهم وكثرةِ معاصيهم وأن الإسلام يجبُّ ما قبله من السيئات وإن جلَّتْ وجاوزت كلَّ حدَ معهود. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب} أي اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس الشامل للتوراة والإنجيل ويمكن أن يراد بهم اليهود فقط، وذكر الإنجيل ليس نصًا في اقتضاء العموم إلا أن الذي عليه عامة المفسرين العموم، وذكروا بذلك العنوان تأكيدًا للتشنيع عليهم، والمراد بهم معاصرو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ولو أنهم مع صدور ما صدر منهم من فنون الجنايات قولًا وفعلًا {ءامَنُواْ} بما نفى عنهم الإيمان، فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذف المتعلق ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى: {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله} [المائدة: 59] الخ، وما لحق من قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة} [المائدة: 66] إلخ.
وتخصيص المفعول بالإيمان به عليه الصلاة والسلام يأباه كما قال شيخ الإسلام المقام لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به عليه الصلاة والسلام إنما ذكر مشفوعًا بكفرهم بكتابهم أيضًا قصدًا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلى الله عليه وسلم مستلزم للكفر بكتابهم، فحمل الإيمان هاهنا على الإيمان به عليه الصلاة والسلام مخل بتجاوب النظم الكريم، وقدر قتادة فيما أخرجه عن ابن حميد وغيره المتعلق بِ {أنزل الله} وهو ميل إلى التعميم، وكذا عمم في قوله تعالى: {واتقوا} فقال: أي ما حرم الله تعالى.
وقال شيخ الإسلام: ما عددنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفة كتابهم {لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سيئاتهم} التي اقترفوها وسارعوا فيها وإن كانت في غاية العظمة ولم نؤاخذهم بها، وجمعها جمع قلة إما باعتبار الأنواع وإما باعتبار أنها وإن كثرت قليلة بالنسبة إلى كرم الله تعالى، وقد أشرنا فيما تقدم أن جمع القلة قد يقوم مقام جمع الكثرة إذا اقتضاه المقام {وَلأدْخِلَنَّهُمْ} مع ذلك {جنات النعيم}، وجعل أبو حيان تكفير السيئآت في مقابلة الإيمان، وإدخال جنات النعيم في مقابلة التقوى، وفسرها بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فالآية من باب التوزيع والظاهر عدمه، وتكرير اللام لتأكيد الوعد، وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم، وأن الإسلام يجبّ ما قبله وإن جل وجاوز الحد، وفي إضافة الجنات إلى النعيم تنبيه على ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار أنه قال: {جنات النعيم} بين جنات الفردوس وجنات عدن، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة، قيل: فمن يسكنها؟ قال: الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمة الله تعالى شأنه راقبوه، ولا يخفى أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، والذي يقتضيه الظاهر أن يقال لسائر الجنات: جنات النعيم وإن اختلفت مراتب النعيم فيها. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه، ليسّر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض.
وبين في مواضع أُخَر أن ذلك ليس خاصًّا بهم، كقوله عن نوح وقومه {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارا} [نوح: 10-12] وقوله عن هود وقومه: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُم} [هود: 52] الآية وقوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقومه {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [هود: 3] وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] الآية. على أحد الأقوال وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السماء والأرض} [الأعراف: 96] الآية. وقوله: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب} [الطلاق: 2-3] وقوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة للتقوى} [طه: 132] ومفهوم الآية أن معصية الله تعالى، سبب لنقيض ما يستجلب بطاعته، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس} [الروم: 41] الآية، ونحوها من الآيات.
قوله تعالى: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة، أن أهل الكتاب قسمان:
طائفة منهم مُقتصدة في عملها، وكثير مِنهم سيئ العمل، وقسّم هذه الأمة إلى ثلاثة أقسام في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} [فاطر: 32] ووعد الجميع بالجنة بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 33].
وذكر القسم الرابع: وهو الكفّار منها بقوله: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} [فاطر: 36] الآية.
وأظهر الأقوال في المقتصِد، والسابِق، والظالم، أن المقتصد هو من امتثل الأمر، واجتنب النهي، ولم يزِد على ذلك، وأن السابق بالخيرات هو من فعل ذلك، وزاد بالتقرب إلى الله بالنوافل، والتورُّع عن بعض الجائزات، خوفًا من أن يكون سببًا لغيره، وأن الظالم هو المذكور في قوله: {خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102] الآية، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)}.
إنما وعدهم الغفرانَ بشرط التقوى. ودليل الخطاب يقتضي أنه لا يغفر لمن لا يتق منهم.
وقال لظالمي هذه الأمة: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32] ثم قال في آخر الآية: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] أي أهل التقوى لأنه أهل المغفرة، فإِنْ تركتم التقوى فهو أهلٌ لأن يغفر.
ويقال لو أنهم راعوا أمرنا أصلحنا لهم أمرهم، ولكنهم وَقَفُوا فوُقِفُوا. اهـ.